فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالمعنى: أنه يصبّ عليهم الصُّفْر المُذاب.
وقرأ الجمهور {ونحاس} بالرفع عطفًا على {شواظ}.
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وروْح عن يعقوب مجرورًا عطفًا على {نار} فيكون الشواظ منه أيضًا، أي شواظ لهب من نار، ولهب من نحاس ملتهب.
وهذه نار خارقة للعادة مثل قوله تعالى: {وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 24].
ومعنى {فلا تنتصران}: فلا تجدان مخلصًا من ذلك ولا تجدان ناصرًا.
والناصر: هنا مراد منه حقيقته ومجازه، أي لا تجدان من يدفع عنكما ذلك ولا ملجأ تتّقيان به.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)}.
تكرير كالقول في الذي وقع قبله قريبًا. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{خَلَقَ الإنسان مِن صلصال كالفخار} تمهيدٌ للتوبيخِ على إخلالِهم بمواجبِ شكرِ النعمةِ المتعلقةِ بذواتِ كلِّ واحدٍ من الثقلينِ. والصلصالُ الطينُ اليابسُ الذي له صلصلةٌ، والفخَّارُ الخزفُ. وقد خلقَ الله تعالى آدمَ عليه السلام من ترابٍ جعلَهُ طينًا ثم حمًا مسنونًا ثم صلصالًا فلا تنافيَ بين الآيةِ الناطقةِ بأحدِها وبينَ ما نطقَ بأحدِ الآخرينِ. {وَخَلَقَ الجان} أي الجِنَّ أو أبَا الجِنِّ. {مِن مَّارِجٍ} من لهبٍ صافٍ {مّن نَّارٍ} بيانٌ لمارجٍ فإنَّه في الأصلِ للمضطربِ، منْ مَرَجَ إذا اضطربَ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما أفاضَ عليكُما في تضاعيفِ خلقِكما من سوابغِ النعمِ {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} بالرفعِ على خبريَّة مبتدأٍ محذوفٍ أي الذي فعلَ ما ذُكِرَ من الأفاعيلِ البديعةِ ربُّ مشرقي الصيفِ والشتاءِ ومغربيهما، ومن قضيتِه أن يكونَ ربَّ ما يبنهُمَا منَ الموجوداتِ قاطبةً، وقيلَ على الابتداءِ والخبرُ قوله تعالى مرجَ إلخ. وقرئ بالجرِّ على أنَّه بدلٌ من ربِّكُما. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ممَّا في ذلكَ من فوائدَ لا تُحصى من اعتدالِ الهواءِ واختلافِ الفصولِ وحدوثِ ما يناسبُ كلَّ فصلٍ في وقتِه إلى غيرِ ذلكَ. {مَرَجَ البحرين} أي أرسلَهُما منْ مرجتُ الدابَّةَ إذا أرسلتُها والمَعْنى أرسلَ البحرَ المِلْحَ والبحرَ العذبَ {يَلْتَقِيَانِ} أي يتجاورانِ ويتماسُّ سطوحُهما لا فصلَ بينَهما في مرأى العينِ وقيلَ: أرسلَ بحرَيْ فارسَ والرومِ يلتقيانِ في المحيطِ لأنهما خليجانِ يتشعبانِ منه {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجزٌ من قُدرةِ الله عزَّ وجَلَّ أو منَ الأرضِ {لاَّ يَبْغِيَانِ} أي لا يبغِي أحدُهما على الآخرِ بالممازجةِ وإبطالِ الخاصِّيةِ أو لا يتجاوزانِ حدَّيهُما بإغراقِ ما بينهُما {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وليسَ منهُما شيءٌ يقبلُ التكذيبَ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ} الدرُّ {وَالمَرْجَانُ} الخرزُ الأحمرُ المشهورُ وقيلَ: اللؤلؤُ كبارُ الدرِّ والمرجانُ صغارُه فنسبةُ خروجِهما حينئذٍ إلى البحرينِ معَ أنَّهما إنما يخرجانِ من المِلْحِ على ما قالوا، لما قيلَ: أنَّهما لا يخرجانِ إلا من مُلتقى المِلْحِ والعذبِ، أو لأنَّهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ساغ أن يقال يخرجان منهما كما يقال يخرجان من البحرِ مع أنهما لا يخرجانِ من جميعِ البحرِ، ولكنْ من بعضِه وهو الأظهرُ. وقرئ {يُخرَجُ} مبنيًا للمفعولِ من الإخراجِ ومبنيًا للفاعلِ بنصبِ {اللؤلؤُ} و{المرجانُ} وبنونِ العظمةِ.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَلَهُ الجوار} أي السفنُ جمعُ جاريةٍ، وقرئ برفعِ الراءِ وبحذفِ الياءِ كقول منْ قال:
للَهَاَ ثَنَايَا أَرْبعٌ حسان ** وَأَرْبعٌ فكُلُّها ثَمَانُ

{المنشآت} المرفوعاتُ الشُّرُعِ، أو المصنوعاتُ، وقرئ بكسرِ الشينِ. أيْ الرافعاتُ الشرُعَ، أو اللاتِي ينشئنَ الأمواجَ بجريهنَّ {فِى البحر كالأعلام} كالجبالِ الشاهقةِ جمعُ عَلَمِ وهو الجبلُ الطويلُ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} من خلقِ موادِّ السفنِ والإرشادِ إلى أخذِها وكيفيةِ تركيبِها وإجرائِها في البحرِ بأسبابٍ لا يقدرُ على خلقِها وجمعِها وترتيبِها غيره سبحانه {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} أي على الأرضِ من الحيواناتِ أو المركباتِ ومَنْ للتغليبِ أو من الثقلينِ {فَانٍ} هالكٌ لا محالةَ {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} أي ذاتُه عزَّ وجلَّ {ذُو الجلال والإكرام} أي ذُو الاستغناءِ المطبقِ والفضلِ التامِ وقيلَ: الذي عندَهُ الجلالُ والإكرامُ للمخلصينَ من عبادِه وهذهِ من عظائمِ صفاتِه تعالى، ولقدْ قال صلى الله عليه وسلم: «ألظُّوا بياذَا الجلالِ والإكرامِ» وعنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ: «أنَّه مرَّ برجلٍ وهُو يُصلِّي ويقول يا ذا الجلالِ والإكرامِ، فقال قد استُجيبَ لكَ». وقرئ {ذِي الجلالِ والإكرام} على أنه صفةُ {ربِّك}، وأيًا ما كانَ ففي وصفهِ تعالى بذلكَ بعدَ ذكرِ فناءِ الخلقِ وبقائِه تعالى يفيضُ عليهم بعد فنائِهم أيضًا آثارَ لطفِه وكرمِه حسبَما ينبيءُ عنه قوله تعالى: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنَّ أحياءَهُم بالحياةِ الأبديةِ وإثابتَهم بالنعيمِ المقيمِ أجلُّ النعماءِ وأعظمُ الآلاءِ {يَسْأَلُهُ مَن في السموات والأرض} قاطبةً ما يحتاجونَ إليه في ذواتِهم ووجوداتِهم حدوثًا وبقاءً وسائرِ أحوالِهم سؤالًا مستمرًا بلسانِ المقال أو بلسانِ الحالِ فإنَّهم كافةً من حيثُ حقائقُهم الممكنةُ بمعزلٍ من استحقاقِ الوجودِ وما يتفرعُ عليه من الكمالاتِ بالمرةِ بحيثُ لو انقطعَ ما بينَهم وبين العنايةِ الإلهية من العلاقةِ لم يشَمُّوا رائحةَ الوجودِ أصلًا فهم في كلِّ آنٍ مستمرونَ على الاستدعاءِ والسؤالِ وقد مرَّ في تفسيرِ قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} من سورةِ إبراهيمَ عليه السلام {كُلَّ يَوْمٍ} أي كلَّ وقتٍ من الأوقاتِ. {هُوَ في شَأْنٍ} من الشؤونِ التي من جُمْلتها إعطاءُ ما سألُوا فإنَّه تعالى لا يزالُ ينشىءُ أشخاصًا ويُفني آخرينَ ويأتِي بأحوالٍ ويذهبُ بأحوالٍ حسبَما تقتضيهِ مشيئتُه المبنيةُ على الحِكم البالغةِ، وفي الحديث: «من شأنِه أنْ يغفرَ ذنبًا ويفرّجَ كربًا ويرفعَ قومًا ويضعَ آخرينَ» قيل: وفيه ردٌّ على اليهودِ حيثُ يقولونَ إنَّ الله لا يقضِي يومَ السبتِ شيئًا.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مع مشاهدتِكم لما ذُكِرَ من إحسانِه.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} أي سنتجردُ لحسابِكم وجزائِكم وذلكَ يومَ القيامةِ عندَ انتهاءِ شؤونِ الخلقِ المشارِ إليَها بقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} فلا يَبْقى حينئذٍ إلا شأنٌ واحدٌ هو الجزاءُ فعبرَ عنْهُ بالفراغِ لهم بطريقِ التمثيلِ وقيلَ: هو مستعارٌ من قول المتهدِّدِ لصاحبهِ؛ سأفرُغُ لكَ أي سأتجردُ للإيقاعِ بكَ من كلِّ ما يشغلنِي عنْهُ والمرادُ التوفرُ على النِّكايةِ فيهِ والانتقامِ منْهُ. وقرئ {سَيفرُغُ} مبنيًا للفاعلِ وللمفعولِ. وقرئ {سَنفرُغُ إليكُم} أي سنقصدُ إليكُم. {أَيُّهَا الثقلان} هما الإنسُ والجنُّ سُمِّيا بذلكَ لثقلِهما على الأرضِ أو لرزانةِ آرائِهما أو لأنَّهما مثقلانِ بالتكليفِ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا} التي من جُمْلتِها التنبيهُ على ما سيلقَونَهُ يومَ القيامةِ للتحذيرِ عمَّا يُؤدِّي إلى سوءِ الحسابِ {تُكَذّبَانِ} بأقوالِكما وأعمالِكما.
{يامعشر الجن والإنس} هما الثقلانِ خوطِبا باسمِ جنسِهما لزيادةِ التقريرِ ولأنَّ الجنَّ مشهورونَ بالقدرةِ على الأفاعيلِ الشاقةِ فخُوطبوا بما ينبىءُ عن ذلكَ لبيان أن قدرتَهُم لا تَفِي بما كُلِّفُوه. {إِنِ استطعتم} إنْ قدرتُم عَلى {أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض} أي أن تهربُوا من قضائِي وتخرجُوا من ملكوتِي ومن أقطارِ سمواتِي وأرضِي {فانفذوا} منها وخلِّصُوا أنفسَكُم من عقابِي {لاَ تَنفُذُونَ} لا تقدرونَ عل النفوذِ {إِلاَّ بسلطان} أي بقوةٍ وقهرٍ، وأنتُم من ذلكَ بمعزلٍ بعيدٍ. رُويَ أن الملائكةَ تنزلُ فتحيطُ بجميعِ الخلائقِ فإذا رآهُم الجنُّ والإنسُ هربُوا فلا يأتونَ وجهًا إلا وجدُوا الملائكةَ أحاطتْ بهِ.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي من التنبيهِ والتحذيرِ والمساهلةِ والعفوِ مع كمالِ القدرةِ على العقوبةِ {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} قيلَ: هو اللهبُ الخالصُ وقيلَ: المختلطُ بالدخانِ وقيل: اللهبُ الأخضرُ المنقطعُ من النارِ وقيل: هو الدخانُ الخارجُ من اللهبِ وقيلَ: هو النارُ والدخانُ جميعًا. وقرئ {شِواظٌ} بكسرِ الشينِ {مّن نَّارٍ} متعلقٌ بيرسلُ أو بمضمرٍ هو صفةٌ لشواظٌ أي كائنٌ من نارٍ، والتنوينُ للتفخيمِ {وَنُحَاسٌ} أي دُخانٌ وقيلَ: صُفرٌ مذابٌ يصبُّ على رؤوسِهم، وقرئ بكسرِ النُّونِ، وقرئ بالجرِّ عطفًا على {نارٍ}، وقرئ {نُرسلُ} بنونِ العظمةِ، ونصبِ {شُواظًا} و{نحاسًا}، وقرئ {نُحُس} جمعُ نِحاسِ مثلُ لِحافِ ولُحُفِ، وقرئ {ونَحُسُّ} أي نقتلُ بالعذابِ. {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} أي لا تمتنعانِ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنَّ بيانَ عاقبةِ ما هُم عليهِ من الكفرِ والمَعَاصِي لطفٌ وأيُّ لُطفٍ ونعمةٌ وأيُّ نعمةٍ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ}.
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن إرسال شواظ النار الذي هو لهبها والنحاس الذي هو دخانها أو النحاس المذاب وعدم الانتصار ليس في شيء منه إنعام على الثقلين.
وقوله لهم فبأي آلاء الله أي نعمه على الجن والإنس.
والجواب من وجهين: الأول _ أن تكرير {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} للتوكيد ولم يكرر متواليا لأن تكريره بعد كل آية أحسن من تكريره متواليا وإذا كان للتوكيد فلا إشكال لأن المذكور منه بعد ما ليس من الآلاء مؤكد للمذكور بعد ما هو من الآلاء.
الوجه الثاني _ أن {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} لم تذكر إلا بعد ذكر نعمة أو موعظة أو إنذار وتخويف وكلها من آلاء الله التي لا يكذب بها إلا كافر جاحد.
أما في ذكر النعمة فواضح.
وأما في الموعظة فلأن الوعظ تلين له القلوب فتخشع وتنيب فالسبب الموصل إلى ذلك من أعظم النعم فظهر أن الوعظ من أكبر الآلاء.
وأما في الإنذار والتخويف كهذه الآية ففيه أيضا أعظم نعمة على العبد لأن إنذاره في دار الدنيا من أهوال يوم القيامة من أعظم نعم الله عليه ألا ترى أنه لو كان أمام إنسان مسافر مهلكة كبرى وهو مشرف على الوقوع فيها من غير أن يعلم بها فجاءه إنسان فأخبره بها وحذره عن الوقوع فيها أن هذا يكون يدا له عنده وإحسانا يجازيه عليه جزاء أكبر الأنعام وهذا الوجه الأخير هو مقتضى الأصول لأنه قد تقرر في علم الأصول أن النص إذا احتمل التوكيد والتأسيس فالأصل حمله على التأسيس لا على التوكيد لأن في التأسيس زيادة معنى ليست في التوكيد وعلى هذا القول فتكرير {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إنما هو باعتبار أنواع النعم المذكورة قبلها من إنعام أو موعظة أو إنذار وقد عرفت أن كلها من آلاء الله فالمذكورة بعد نعمة كالمذكورة بعد قوله: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ} الآية وبعد قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الآية لأن السفن واللؤلؤ والمرجان من آلاء الله كما هو ضروري والمذكورة بعد موعظة كالمذكورة بعد قوله: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} الآية.
والمذكورة بعد إنذار أو تخويف كالمذكورة بعد قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ}.
الآية. والعلم عند الله تعالى. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}:

بقلم الدكتور: زغلول النجار:
هذه الآية الكريمة جاءت قرب نهاية النصف الأول من سورة الرحمن، التي سميت بتوقيف من الله تعالى بهذا الاسم الكريم لاستهلالها باسم الله الرحمن، ولما تضمنته من لمسات رحمته، وعظيم آلائه التي أولها تعليم القرآن، ثم خلق الإنسان وتعليمه البيان.
وقد استعرضت السورة عددا من آيات الله الكونية المبهرة للاستدلال علي عظيم آلائه، وعميم فضله علي عباده ومنها: جريان كل من الشمس والقمر بحساب دقيق (كرمز لدقة حركة كل أجرام السماء بذاتها، وفي مجموعاتها، وبجزيئاتها، وذراتها، ولبناتها الأولية)، وسجود كل مخلوق لله، حتي النجم والشجر، ورفع السماء بغير عمد مرئية، ووضع ميزان العدل بين الخلائق، ومطالبة العباد بألا يطغوا في الميزان، وأن يقيموا عدل الله في الأرض، ولا يفسدوا هذا الميزان، وخلق الأرض وتهيئتها لاستقبال الحياة، وفيها من النباتات وثمارها، ومحاصيلها ما يشهد علي ذلك، وخلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، وتكوير الأرض وإدارتها حول محورها، والتعبير عن ذلك بوصف الحق تبارك وتعالى بأنه رب المشرقين ورب المغربين، ومرج كل نوعين من انواع ماء البحار دون اختلاط تام بينهما، وإخراج كل من اللؤلؤ والمرجان منهما، وجري السفن العملاقة في البحر، وهي تمخر عباب الماء وكأنها الجبال الشامخات، وحتمية الفناء علي كل المخلوقات، مع الوجود المطلق للخالق (سبحانه وتعالى)، صاحب الجلال والإكرام، الحي القيوم، الأزلي بلا بداية، والأبدي بلا نهاية، والإشارة إلي مركزية الأرض من الكون، وضخامة حجمها التي لا تمثل شيئا في سعة السماوات وتعاظم ابعادها، وذلك بتحدي كل من الجن والانس أن ينفذوا من أقطارهما، وتأكيد أنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا، إلا بسلطان من الله، وأن مجرد محاولة ذلك بغير هذا التفويض الإلهي سوف يعرض المحاول لشواظ من نار ونحاس فلا ينتصر في محاولته أبدا....!!!